وديع حامد ... رجل بألف؟

التقدم بالسن هو كل ما يجمعه برجلين التقاهما وسط خان التجار الشهير في مدينة نابلس بالضفة الغربية، لكن وديع حامد اشتيه يحظى بشهرة جيدة هنا في احد أهم أسواق الضفة الشعبية.
ليس كل ذلك فقط هو ما يميز الرجل، فهو ورجال آخرون، مازالوا يلبسون القنباز، اللباس التقليدي الفلسطيني، وهو رداء طويل مشقوق من أمام، ضيّق من أعلاه، يتسع قليلاً من أسفل، ويردّون أحد جانبيه على الآخر عند العمل أو الحركة السريعة. وهو بالنسبة لوديع 'علامة من علامات الرجولة'. كما يقول.
وهو بالنسبة للمجتمع الفلسطيني جزء من التراث يهتمون فيه فقط في المناسبات الوطنية أو في معارض التراث.
ووديع الذي يلعب بالكلمات بطريقة فكاهية يشرح لرفيقيه كيف أنهم باتوا 'عملة نادرة'. وكيف أن القنابيز والسراويل التي كانت تملأ أسواق نابلس اختفت.
هكذا جاء وديع (72عاما) إلى الحياة، وجد كل رجال قريته يلبسون القنابيز التي كانت جزءا من الحياة القروية السائدة حينذاك فلبسه منذ طفولته حتى الآن.
وهناك مجموعة من الشواهد تشير إلى أن تطور الـملابس الشعبية الفلسطينية ومنها ملابس الرجل بدأ منذ العهد الكنعاني.
وكانت فلسطين (بلاد كنعان)، والحضارة الفينيقية مشهورة بصناعة الـمنسوجات. في خان التجار بمدينة نابلس التاريخية التي بناها الكنعانيون، يتلمس وديع طريقه إلى مقهى شعبي اعتاد ارتياده لشرب القهوة ومراقبة الحركة في الزقاق.
وهناك يمكن رؤية القلة من الرجال الذين يلبسون القنابيز. ويمكن أيضا رؤية محلات بيع الأقمشة حيث يلتقي وديعُ رجالا آخرين مثل علان جودة (47عاما) من قرية عراق التايه، الذي يملك عدة قنابيز بدأ بارتدائها منذ كان عمره 12 سنة، لكنه لا يرتديها إلا في الأفراح والمناسبات، ولا يستطيع فعل ذلك في أيام العمل التي يبيع فيها منتجات بلدية.
عندما سئل الرجل فيما إذا شاهد رجلا يلبس قمبازا، قال مشيرا إلى بداية طريق ضيق في خان التجار: هناك واحد قادم من بعيد.
كان الرجل ذاته وديع الذي يسير بخطى وئيدة ويتفحص أثناء مشيه ما تعرضه العربات في المدينة التي يفد إليها المشترون من الضفة الغربية.
كان وديع يرتدي قنبازا سماويَّ اللون مشرب بألوان أخرى متباينة.
وقال بعدما جلس على مقعد في فناء القهوة التي يرتادها 'لا أفكر أبدا بتغير لباسي. أشعر أن هذا الأمر غير صحيح'.
وثمة نحو 80 رجلا في قرية سالم حيث يسكن وديع يلبسون القنمباز كما يقول الرجل. وثمة رجال قليلون في أسواق نابلس يرتدون القنابيز وديع واحد منهم.
كل يوم تقريبا يخرج الرجل الذي يكنى 'أبو حامد' ليجلس في القهوة. إنها عادته الصباحية؛ لكنه عندما يأتي المدينة يجلس مع رجال بعضهم يلبس القنابيز وبعضهم الآخر 'الدشاديش'، وآخرون اللباس السائد.
وفي هذا المربع الصغير من البلدة القديمة في نابلس، يمكن رؤية رجال قنابيز آخرين يلقون التحية على الرجل، يأتون من قرى مختلفة في محيط نابلس.
كان وديع يحيك قنابيزه عند خياط توفي منذ سبع سنوات، لكنه الآن يخيطها عند آخر قليل الكلام، لا يتحدث إلى زواره. قال رجال في المنطقة إنه يهتم بعمله أكثر من اهتمامه بالكلام.
انه الحائك محمود السائح الذي يمثل علامة من جيل ينقرض.
اليوم يلبس وديع قنبازه الذي لا يتخلى عنه إلا في الليل من غير 'جاكيت'، ويقول انه سيعود إلى القرية للعمل في حصد القمح.
'في المناسبات نلبس القنابيز النظيفة. الجيدة. للعمل هناك قنابيز معينة'. لكل مقام لباس عند وديع، والرجال الثلاثة الذين كانوا عند السائح وهو الخياط الذي يلجؤون إليه يستشيره الرجال أيضا بنوع خامة القماش الجيد.
وقال وديع ورفاقه إنهم يبحثون دائما على القماش الجيد.
لذلك ذاته وديع، عندما يزور العاصمة الأردنية عمان، يجول على باعة القماش بحثا عن الخامة الجيدة واللون المناسب.
وقال السائح الذي وضع ماكينة الخياطة في فناء إحدى ممرات خان التجار بنابلس القديمة 'الرجال الذين يلبسون القنابيز أصبحوا معدودين على الأصابع'.
وكان وديع ورجلان آخران يتحلقون حول السائح الذي يقول إن 'الرجال الذين يلبسون القنابيز يموتون ولا يأتي غيرهم'.
يتندر الرجال الثلاثة على كونهم يرتدون القنابيز، قال أحدهم لآخر في إشارة إلى تميز اللباس عن السائد هذه الأيام 'نحن مثل القرد والسعدان'.
إنهم رجال فكاهيون، وجديون في الوقت نفسه عندما يقفون أمام عدسة المصور.
وقف الرجال بشكل غريب في الممر الرئيس لخان التجار لالتقاط صورة، وعندما التقى وديع بعد ذلك بأحمد أبو الكباش أحد الرجال الذي يرتدون القنابيز شرح له لماذا يتم التقاط الصور لهم.
قال أبو الكباش الذي يسكن منطقة صخرية قرب قرية عين شبلي شرق نابلس، إنه الوحيد في محيطه الذي ما زال يرتدي اللباس الفلسطيني التقليدي، وإنه يملك 4 منها.
وعندما سئل إذا كان قد فكر يوما أن يخلع عنه قنبازه ويرتدي البنطال قال' لا لا لا. لا أستطيع'، فضحك وديع.