لا تبالي بكلام الناس
د . محمد العريفي
أعجبتني عبارة رددها ابني عبد الرحمن يوماً .. وأظنه في
ذلك السن لم يكن يفقه معناها .. كان يقول : طنش تعش
تنتعش ..!!
تأملت في هذه العبارة وأنا ألاحظ انتقادات الناس .. وآراءهم
وأحاديثهم .. فوجدت أن الناس في كلامهم وذمهم يتنوعون ..
فيهم الناصح الصادق الذي لا يتقن فن النصيحة .. وبالتالي
يحزنك بأسلوب نصحه أكثر مما يفرحك .
وفيهم الحاسد .. الذي يقصد حزنك وهمك .
وفيهم قليل الخبرة .. الذي يهذي بما لا يدري.. ولو
سكت لكان خيراً له .
وفيهم من طبيعته الانتقاد أصلاً .. فهو ينظر للحياة بنظارة
سوداء .
وقديماً قيل : لو اتحدت الأذواق لبارت السلع .
ذكروا أن حجا ركب حمار .. وولده يمشي بجانبه ..
فمروا بجمع من الناس .. فقال الناس : انظروا لهذا الأب
الغليظ يركب مرتاحاً .. وولده يمشي في الشمس .
سمعهم جحا .. فأوقف الحمار .. ونزل .. وأركب ولده ..
ثم مشيا .. وجحا يشعر بنوع من الزهو .. فمرا بقوم
آخرين .. فقال أحدهم : انظروا إلى هذا الابن العاق ..
يركب ويدع أباه يمشي في الشمس .
سمعهم جحا .. فأوقف الحمار .. ثم ركب مع ولده .. ليتقيا
كلام الناس وانتقاداتهم .. فمرا بقوم .. فقالوا :أنظروا إلى
هذين الغليظين .. لا يرحمون الحيوان .
فنزل جحا .. وقال : يا ولدي .. انزل .. فنزل الولد وجعل
يمشي بجانب أبيه .. والحمار ليس فوقه أحد .
فمرا بقوم .. فقالوا : انظروا إلى هذين السفيهين .. يمشيان
والحمار فارغ .. وهل خلق الحمار إلا ليركب .. فصرخ جحا
وجر ولده معه .. ودخلا تحت الحمار .. وحملاه ..!!
ولو أني كنت معهم في ذاك الزمان .. ورأيت جحا وقتها
لقلت له : يا حبيب القلب .. افعل ما تشاء .. ولا تبال
بكلام الخلق .. رضا الناس غاية لا تدرك ..
ومن الذي ينجو من الناس سالماً ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر
بعض الناس .. لا يفكر في رأيه قبل أن يطرحه .. يأتيك
مثلاً بعدما تتزوج .. ويقول : لماذا لم تخطب فلانة ؟
ولماذا تزوجتها ؟
وكأني بك .. تتمنى أن تصرخ في وجهه وتقول : يا أخي
تزوجت .. خلاص .. انتهى الموضوع .. ما أحد طلب
منك اقتراحات .
أو يأتيك وقد بعث سيارتك .. فيقول : ليتك أخبرتني ..
فلان كان سيعطيك أكثر .. يا أخي .. بس !! الرجل
باع سيارته .. خلاص وانتهى .. لا تشغله بالالتفات
وراءه !! وعموماً ..
ليس يخلو المرء من ضد ولو طلب العزلة في رأس جبل !!
فلا تعذب نفسك .