قصة من تراث فلسطين

في ظل تينة عتيقة امتدت جذورها في عمق تراب الزمن ونقشت فيه قصة البطل حسن ، ذاك الشاب الذي عرف بالشجاعة والقوة في مواجهاته مع العدو وقد شهد له أهل قريته بذلك كما شهدت له تلك الشجرة العتيقة التي اعتاد أن يُودِعها سلاحه في كل ليلة حين يعود من جبهة قتال ،لتقف هي بدورها حارساً لما أودع فيها . اعتدت أن أنتظره في كل ليلة لأراه من وراء النافذة يفعل ذلك.
في أحد أيام آب الحارقة اقتحم جنود العدو قريتنا ،حينها كان حسن في عمله ، فساقوه مع كل الرجال إلى ساحة القرية ، تسمر حولهم حشد من الجنود كانوا يلاحقونهم بكل نفسٍ يخرج من جوفهم ، ثم صاح أحدهم سائلاً عن حسن فجاءه الرد بأنهم لا يعرفون أحداً بهذا الاسم ، ظل يعيد عليهم سؤاله وما تزحزحوا عن إجابتهم ،فقد وقفوا حراساً إلى جانب التينة عن ابن قريتهم . مرت ساعة ثم أخرى وشمس الظهيرة تطبخ رؤوسهم فهي لا ترحم ولا تفرق بين كبيرهم وصغيرهم ، فحرارة الشمس لم تقعدهم عن حماية ابن قريتهم فهم أيضاً كانوا حراساً له كما التينة .
كنت جالسة قرب التينة أنتظر عودته ، فلست معتادةً على تأخره عن الغداء، مر وقت حتى عوت الذئاب في صدري،فأسرعت نحو البيت وجهزت زوادةً من الطعام والشراب له "حتماً إنه يحتاج لماء في هذا الجو " لم أطق صبراً فحثثت خطاي إليه مسرعةً ، عبرت في
أحد الممرات الملتوية حتى وصلت الساحة ، لاح لي من بعيد واقفاً بين الرجال بدا عليه الشحوب والتعب وأحسست بتصاعد ألسنة اللهب من رأسه . استوقفني أحد الجنود سائلاً عن وجهتي ، أخبرته بقلقي على ابني وأني أريد أن أوصل له بعض الطعام والشراب فأومأ لي برأسه أن أمضي بعد أن أذن لي ، ثم تتابع الانصهار في قلبي وبدأت أحث خطواتي ، لاشيء أمامي غيره، تفصلني عنه مسافة تقصر كلما سارعت خطاي ، تبدأ همسات من حولي تُخبر بأننا لن نتخلى عن حسن فهو ابننا وغمزات تأمر بالعودة ونظرات غاضبة من مجيئي .
لكني ما أدركت أي شيءٍ منها وما وعيت كل هذا كنت أنظر فقط لعينيّ حسن ، لاشيء غيرهما كجذرٍ باحثٍ عن الماء ، بعد أن أضناني التعب توقفت قدماي أمامه فركت يدي بثوبي من غبار أي شيء ، ثم بدأت بمسح العرق عن جبينه ، لم أكد ألفظ كلاماً حتى سبقتني بندقية أحدهم ولفظت ما بداخلها في صدر حسن تناثر دمه على وجهي واختلط بالعرق على يدي ، تجمدت يدي مكان جبينه ، فمثل صفعةٍ أتاني ارتداد الصوت ، فأحرقني الألم الذي خلفه دونما قدرة على فتح مجرى الدمع لينقذني .
أنا لم أستطع كبح جنوني كما أن بندقيتهم لم تستطع كبح جنونها .

أشكرك أخي أدمن على تواصلك الدائم