صدى من الألم

تحضنني جدران عالية لاشيء سواها وترسل الشمس خلسة بعضاً من خيوطها من كوة بعيدة في أعلى الجدار، لتعطيني شيئاً من الدفء وخيط أمل يأخذني كتاب أقرأه للمرة السابعة إلى باب حين كنت هناك نسيت أن أطرقه ولأشهد ميلاد طفل غفلت عنه في آخر الحكاية ، و لأؤنس ليلة رجل قابع بين أربعة جدران رمادية غير هذه، ولأعيش مع أهل بيتٍ ليلةً مشبعة بالحذر والانتظار لأي صوت يقرع طبول آذانهم ولكي أتمعن بحكايات أناس تشبه حكايات بلادي ثم أعيد قراءة رسالة من أمي علّني أجد كلمة احتجزت هنا أو هناك وهي في طريقها إلي ، بعدها يبدأ الهواء بالهروب من رأسي فأتمدد على سريري المحتل زاوية من السجن في محاولة لنيل إغفاءة بسيطة غير أن إيقاع قطرات الماء المتلاحقة يمنعني من النوم، تتأرجح ذاكرتي مع تردد الضوء فوق رأسي، بين إعطاء النور أو إغفاله، فأقلب صفحاتها فهنا أطالع صور عائلتي أتفقدهم وأتذاكر أسماءهم ، وصور هناك لأيد ملعونة تبعثر أغراضي الثمينة مع انسلاخ العتمة عن وجه السماء، وتنثر قبل رحيلها قنابل لئيمة كفيلة لأن يتلاشى شعوري بجسدي وبإغلاق ستائر عيني، لحين لا أدريه، وتتلاطم الذكريات في رأسي لتعطيني في جزرها صورة "البوسطة" التي نقلتني إلى هذه الزنزانة عبر ثلاثة مناوبات قمرية قضيتها على كرسي حديدي تنبت فيه رؤوس صغيرة ، ثم تتراءى لي حركة قدماي اللتان تشغلان مساحة لا بأس بها في محاولة لاستعادة خبرة المشي. وصورة لتناوب جسدي المتعب مع زملائي على سرير وحيد في غرفة انتظار متروسة قبل تمام الرحلة، وتلوح لي من بعيد عصي وبنادق تنهال على جسدي اليتيم ، وقيود حبكت حول معصمي بإحكام قبل دخولي لهذا المكان.
استل أوراقي البيضاء من تحت السرير وأحاول أن ألطخ صفاءها بسيل من أمواج هائلة مرتطمة بجدار قلبي مأسورة فيه .
ثم ألتحفها وأحلم باليوم الذي ستحرق به الشمس قيودي حتى أطير متنعماً بدفئها خارج الجدران متحداً معها في آن واحد.